يتحدث الدكتور نعمة عبد ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر نيابة عن الدكتورة حنان بلخى المديرة الإقليمية لشرق المتوسط، خلال افتتاح المؤتمر السنوي للجمعية المصرية لأمراض الصدر والتدرن المنعقد بالقاهرة. وتوجه بالشكر والتقدير إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وإلى الدكتور خالد عبد الغفار نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة والسكان، على قيادتهما وجهودهما في تعزيز منظومة الصحة. وأكد أن هذه التظاهرة تجمع الأطباء والباحثين لتبادل المعرفة وتحديد الأولويات في مجال أمراض الصدر والتدرن، وهو ما يعزز الالتزام الوطني بمكافحة المرض. كما أشار إلى أن الجهود الوطنية مكنت من إنشاء بيئة صحية تعزز البحث العلمي والتعاون بين المؤسسات.
وأضاف أن العالم يواجه تداخلاً بين تحديات صحية متعددة تشمل الأمراض المعدية المرتبطة بتغير المناخ والأمراض المزمنة. وأوضح أن مرض الدرن يصرّ على البقاء، حيث يسجل العالم أكثر من 10 ملايين إصابة و1.3 مليون وفاة سنوياً، وتتكئ هذه الأعداد على عائلات ومجتمعات تحتاج إلى الوقاية والرعاية والعلاج المتكامل. وأكد أن منظمة الصحة العالمية تتبنى استراتيجية القضاء على الدرن تهدف إلى خفض الوفيات بنسبة 90% وتقليل الإصابات الجديدة بنسبة 80% بحلول 2030، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
وأشار إلى أن مصر حققت تقدماً ملحوظاً في مكافحة الدرن عبر البرنامج القومي، حيث انخفضت معدلات الإصابة تدريجيًا وارتفعت نسب الشفاء إلى ما يتجاوز 88%، رغم التحديات التي فرضتها جائحة كورونا. وأوضح أن هذه الإنجازات تعكس التطوير المستمر للنظام الصحي وتكامل الخدمات عبر الرعاية المستمرة للمرضى وتوفير العلاج وفق البروتوكولات العالمية. وأكد أن هذا النجاح يمثل نموذجاً وطنياً يُحتذى به في الإقليم ويعكس قوة الكوادر الطبية والتنسيق بين الجهات الحاكمة والقطاع الصحي.
وأكّد أن من أبرز المبادرات الوطنية التي أثمرت عن أرضية راسخة الثقة لدى القيادة السياسية مبادرات القضاء على فيروس سي، والكشف المبكر عن الأمراض غير السارية، والكشف عن الأنيميا والسمنة والتقزم. وتابع أن هذه المبادرات شجعت على تقديم الخدمات الصحية للمواطنين باستخدام أحدث التقنيات الرقمية وبناء قدرات المنظومة الإلكترونية. وأوضح أن التجربة المصرية صارت نموذجاً يُحتذى به في المنطقة، وتدعم توطين المعرفة والبحث العلمي.
وأشار إلى أن صحة الرئة لا يمكن الحديث عنها دون التطرق إلى التدخين، فهو السبب الرئيس القابل للمنع لأمراض الجهاز التنفسي والسرطان. وأكد أن الوقاية تشكل الاستراتيجية الأساسية ضمن منظومة صحية جامعة لتحقيق التنمية، عبر رفع الضرائب على التبغ والتحذير من أضراره وتقليل أماكن التدخين. كما أضاف أن مصر ستنشئ عيادات للإقلاع عن التدخين في مختلف المؤسسات وتدعم برامج التدخل المبكر.
وتتخذ الدولة خطوات جادة لمكافحة الدخان ومنتجات التبغ الجديدة، وتطبق إجراءات الرقابة والتشريعات اللازمة لمنع تداولها وردع المدخنين. كما أوضحت أن تقليل معدلات التدخين ليس مجرد إجراء صحي، بل استثمار في رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتتابع سياسة تحسين جودة الهواء والحد من التلوث الصناعي والمروري من خلال مشاريع الطاقة النظيفة وسياسات بيئية ملموسة.
وأشارت إلى أن مجالات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي في الطب الصدري تشهد تطوراً ملحوظاً، يعزز دقة التشخيص وكفاءة العلاج. وأوضحت أن هذه التطورات تدعم رصد الحالات وتوجيه العلاج وفق البروتوكولات الوطنية، وتساعد في تقليل الفجوات الجغرافية في الوصول إلى الخدمات. وتؤكد المنظمة مواصلتها تعزيز قدرات النظام الصحي المصري على الاعتماد على البيانات والابتكار العلمي.
وأكد أن جائحة كورونا أظهرت أن صحة الرئة هي محور الأمن الصحي العالمي، وأظهرت جاهزية مصر من خلال نظام رصد قوي واستجابة فعالة وتطعيم ناجح. وأوضحت أن دمج هذه الخدمات لاحقاً بالرعاية الروتينية للحد من الأوبئة، وأشارت إلى أن إدماج الخدمات ما بعد كورونا ضمن برنامج الرعاية المزمنة أصبح ضرورياً. ولفتت إلى أن الاستمرارية في ربط الوقاية بالعلاج والرعاية الأساسية يضمن استدامة المكاسب الصحية للمواطنين.
وأكّد أن الطريق نحو عالم خالٍ من الدرن والأمراض الصدرية يتطلب المثابرة والابتكار والعمل المشترك، وتفعيل سياسات الرعاية الأولية للكشف المبكر. كما دعت إلى توسيع استخدام التقنيات الحديثة والتشخيص السريع، والاهتمام بالبحث العلمي والإنتاج المحلي للأدوية واللقاحات، ومعالجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالمرض. وشددت على أهمية التنسيق بين الحكومة والقطاع الصحي والبحث الأكاديمي والمجتمع المدني لضمان التنفيذ الفعّال للمبادرات.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية التزامها الكامل بدعم مصر في هذه المسيرة من خلال التعاون الفني وتبادل الخبرات وتعبئة الموارد. وأكد أن صحة الرئة هي بوابة الحياة، وأن كل مريض شُفي من الدرن، وكل مدخن أوقف التدخين، وكل طفل يتنفس هواءً نقياً يمثل أملاً وتقدماً. ودعت إلى عمل جماعي بين علماء وأطباء وصناع قرار ومجتمع مدني لتحقيق الهدف المشترك ونقل هذا الأمل إلى واقع ملموس.