تشهد الاهتمامات العالمية بالصحة النفسية ازدياداً ملحوظاً، ويتجه عدد متزايد من الأفراد إلى المكملات الغذائية بوصفها بديلًا محتملًا للعلاجات الدوائية التقليدية في مواجهة الاكتئاب. ورغم هذا الإقبال، تبقى الأدلة العلمية بشأن فعاليتها محدودة ومحل جدل. وتحوّلت المكملات إلى سوق ضخمة تسوق باعتبارها حلولاً طبيعية لمشكلات نفسية معقدة، ومنها الاكتئاب، كما أشار موقع ناشونال جيوغرافيك. ومع معاناة نحو 5.7% من البالغين حول العالم من الاضطراب، يبحث الكثيرون عن خيارات متاحة دون وصفة طبية مثل البروبيوتيك وأوميغا-3 ومستخلصات الأعشاب آملاً في تخفيف الأعراض وتحسين المزاج.

بين الأمل والواقع العلمي

بحسب مراجعة بحثية نشرت في Frontiers in Pharmacology وأعدتها الباحثة رايتشل فروست من جامعة ليفربول جون مورز البريطانية، فإن غالبية المكملات الغذائية الشائعة تفتقر إلى أدلة علمية قوية تثبت فعاليتها في علاج الاكتئاب. وشملت المراجعة عشرات الدراسات السريرية، وخلّصت إلى أن تأثير مكملات مثل فيتامينات ب، الميلاتونين، والفيتامينات المتعددة غالباً لا يتعدى تأثير الدواء الوهمي. حتى مكملات أوميغا-3، التي طالما ارتبطت بتحسين المزاج، أظهرت نتائج متضاربة في 39 دراسة، حيث لم تلاحظ فروق ملحوظة مقارنة بالعلاج الوهمي. أما الأعشاب مثل اللافندر، الروديولا، والمليسة، فقد كشفت بعض الدراسات الصغيرة عن نتائج واعدة، إلا أن صغر حجم العينات وتفاوت طرق الاستخدام يجعل من الصعب الوصول إلى تقييم علمي دقيق وشامل.

مكملات قد تحدث فرقا

ورغم الصورة العامة غير المشجعة، تشير أدلة إلى أن أربعة مكملات غذائية قد تساهم في تحسين الأعراض لدى بعض المرضى. ومن بين هذه المكملات عشبة القديس يوحنا، البروبيوتيك، فيتامين د، والزعفران. كما أظهرت 16 من أصل 26 دراسة تحسناً واضحاً في أعراض الاكتئاب لدى من استخدموا خلاصة عشبة القديس يوحنا، خاصة في الحالات الخفيفة إلى المتوسطة. سجلت البروبيوتيك وفيتامين د والزعفران نتائج إيجابية في عدد من الدراسات، وإن بقيت الأدلة محدودة.

تأثير البلاسيبو حاضر بقوة

ويشير عدد من الخبراء إلى أن التحسن الذي يشعر به بعض المرضى قد لا يكون ناتجاً عن تأثير بيولوجي مباشر للمكملات، بل بفعل ما يعرف بتأثير الدواء الوهمي. إذ يمكن لإيمان الفرد بفعالية العلاج أن يؤدي إلى تحسن نفسي حقيقي حتى في غياب مادة فعالة. يؤكد ذلك أن ما يبدو عليه التحسن يعكس توقعات المريض وتجاوبه النفسي مع العلاج، وهو ما يجعل من التمييز بين الفاعلية الحقيقية والدواء الوهمي أمراً صعباً.

تحذيرات طبية.. وغياب للرقابة

ورغم أن هذه المكملات تسوّق بوصفها طبيعية، يحذر الخبراء من اعتبارها آمنة تلقائياً، كما أن الرقابة عليها أقل صرامة من الأدوية الطبية. ما يجعل مكوناتها وتراكيزها وتفاعلاتها الدوائية غير واضحة أحياناً. فعلى سبيل المثال، قد تتفاعل عشبة القديس يوحنا بشكل خطير مع بعض أدوية الاكتئاب، ما قد يؤدي إلى تفاقم الحالة أو ظهور أعراض جانبية خطيرة. ويؤكد الباحثون على ضرورة عدم اللجوء إلى المكملات كبديل للعلاج الطبي دون استشارة مختص، مع الحاجة لتشريعات أكثر صرامة ودراسات طويلة الأمد لتحديد السلامة والفعالية.

شاركها.
اترك تعليقاً