أجرى الباحثون مقابلات مع 48 ناجياً من تجارب الاقتراب من الموت وطلبوا منهم وصف ما رأوه في لحظاتهم الأخيرة. أظهروا مجموعة واسعة من التجارب، بدءاً من لقاءات سماوية إلى رحلات سريالية تختلف في التفاصيل من شخص لآخر. وصف بعض المشاركين رؤية كائنات دينية أو كيانات سماوية، مع أمثلة مثل وجود سلم حجري نحو الأعلى ومظهر يسوع يرتدي رداءً أبيض. كما أبلغ آخرون عن رؤية نور عظيم أو حضور الله في مكان بعيد، ما أبرز تأثير الخلفيات الثقافية في تشكيل التجارب.

أنواع مكانية وتجلياتها

حددت الدراسة أربعة أشكال مكانية مميزة لتجارب NDE: الشكل أ الذي يشبه النفق، الشكلان B وC في فضاءات على شكل حزام أو قوس مع فقدان جزئي في مجال الرؤية، والشكل C5 داخل حاوية بيضاوية بزاوية 360 درجة. غالباً ما يتقدم المشاركون من تجربة الشكل A إلى الشكل C5 مع تقدم التجربة، ما يشير إلى وجود نمط مادي مشترك وراء الظاهرة. كما روت عينات من المشاركين رؤية سلالم سماوية أو كائنات ملائكية أو وجوه تشبه وجوه آلهة، وأحياناً ظهرت مفاهيم كونية أو هندسية معقدة. وتؤكد النتائج أن هذه التجارب لا تقدم دليلاً على وجود روح مستقلة عن الجسد، لكنها تعكس محاولات الدماغ تفسير المدركات الحسية في ظروف غير عادية.

أشارت الدكتورة فرانس ليرنر من معهد بكين للعلوم والتطبيقات الرياضية إلى أن المعتقدات الثقافية تلعب دوراً حاسماً في تشكيل ما يختبره الأشخاص أثناء تجربة الموت. كما أشارت إلى أن تقارير عن سماع أشخاص وجود رجال يقرؤون التوراة أو ظهور يسوع والكائنات الملائكية قد تكون مرتبطة بخلفياتهم الدينية والثقافية. وتؤكد أن الطبيعة الشخصية للمشاهد تتباين بشكل كبير، وأن هذه النتائج لا تدعم وجود روح مستقل عن الجسد، لكنها تعكس تنوع التصورات البشرية في هذا السياق.

آثار لاحقة وتغيرات روحية

تظهر نتائج دراسة جامعة فرجينيا أن نحو 15% من المرضى في حالات خطرة يختبرون تجربة NDE، بما فيها شعور بالخروج من الجسم أحياناً أو لقاء مع أحبائهم المتوفين أو إحساس عميق بالسلام. استطلع الباحثون 167 شخصاً خضعوا لتلك الحلقات، ووجدوا أن ما يقرب من 70% منهم أبلغوا عن تغيّرات كبيرة في معتقداتهم الروحية أو الدينية، مع انخفاض في الخوف من الموت. إلا أن التحول غالباً ما يأتي بتكلفة، حيث ذكر أكثر من 20% وجود صراعات في العلاقات أو انفصال، كما خاطر كثيرون بالشعور بالوحدة والعزلة. ووصَف أحد المشاركين التجربة بأنها سيف ذو حدين لكونها عميقة جداً لدرجة صعوبة مشاركتها دون سوء فهم.

قدم جيفري لونغ، أخصائي الأورام الإشعاعية ومؤسس مؤسسة أبحاث تجربة الاقتراب من الموت، تحليلاً يضم أكثر من خمسة آلاف حالة، وبحسب قوله توجد أدلة واسعة على وجود حياة بعد الموت. وقال إن نحو 45% من الناجين يصفون وجود تجربة خروج من الجسد، وفي بعض الحالات يتأكد الشهود لاحقاً من ذلك. أقر لونغ بأنه لم يجد تفسيراً علمياً لهذه الظاهرة رغم اتساع تقاريرها، مضيفاً أنه قرأ أبحاث الدماغ ونظر في جميع التفسيرات الممكنة. وتؤكد نتائج هذه الدراسات وجود نطاق واسع من الحالات وتباينها بين المصابين، مع استمرار التساؤل حول آليات حدوثها.

يوافق الدكتور بروس غرايسون، أستاذ الطب النفسي في جامعة فرجينيا، على أن تجارب الاقتراب من الموت شائعة بشكل مدهش وتؤثر في ما بين 10% و20% من الأشخاص الذين يقتربون من الموت، وهو ما يمثل نحو 5% من السكان عموماً. ويشير إلى أن هذه التجارب تبقى محط جدل علمي وتفتقر إلى تفسير قاطع لآلياتها الدماغية. وتؤكد النتائج المتراكمة أن القضية لا تدعم وجود وعي مستقل عن الجسم، بل تطرح كظاهرة تنتج عن تفاعل الدماغ مع الظروف القاسية وتغير الإشارات العصبية في الدماغ.

شاركها.
اترك تعليقاً