يسيطر العالم اليوم على دائرة من الشاشات التي لا تنطفئ، تمتد من الهواتف الذكية إلى أجهزة الكمبيوتر والتلفاز. يعزز هذا الحضور الرقمي الاتصال المستمر بمحيطنا ويغيّر أساليب حياتنا اليومية. تبرز تحذيرات من ظاهرة إدمان الشاشة كاختلال نفسي وسلوكي يجعل الانفصال عنها صعباً. تؤكد المصادر أن الإفراط في استخدام الشاشات يمكن أن يغيّر نمط الحياة والصحة بشكل عام.

وجوه متعددة للإدمان الرقمي

تبيّن المعطيات أن الإدمان الرقمي ليس مقصوراً على جهاز بعينه أو تطبيق محدد. يشترك الهاتف المحمول والإنترنت والألعاب الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي في تحفيز أنماط الإدمان بالدماغ. رغم أن هذه الأنشطة تبدأ كترفيه، فإنها مع الوقت قد تتحول إلى رغبة قهرية تؤثر في الواجبات اليومية والعلاقات الاجتماعية. تتحول الممارسات الرقمية في النهاية إلى سلوك يسيطر على السلوك اليومي ويؤثر على النوم والراحة.

التأثيرات الصحية والنفسية

تشير التقديرات إلى أن المستخدم العادي يقضي أكثر من سبع ساعات يومياً أمام الشاشات لأغراض العمل والترفيه معاً، وهو وقت كاف لإحداث تغييرات سلوكية وجسدية. رُبِطت العديد من الدراسات بالإفراط في الاستخدام مع مشاكل مثل إجهاد العين وآلام الرقبة ومتلازمة رؤية الكمبيوتر. كما أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يثبط إفراز الميلاتونين، مما يؤثر في النوم ويؤدي إلى الأرق واضطراب الإيقاع البيولوجي.

لا تقتصر النتائج على الجانب الجسدي فحسب، بل تمتد إلى الصحة النفسية والعاطفية. فقد ربطت دراسات ارتفاع وقت الشاشة بارتفاع معدلات القلق والاكتئاب، خاصة بين المراهقين والنساء. يعود السبب إلى حالة الانفصال الاجتماعي التي يعيشها المستخدم رغم تواصله الرقمي المستمر.

القلق الرقمي والضغوط الرقمية

يظهر أن التصفح بعد يوم عمل متعب لا يعطي راحة حقيقية، بل يخلق ما يُعرف بالقلق الرقمي. ترتبط هذه الظاهرة بمخاوف من تفويت أمور مهمة أو التأخر في متابعة الأخبار، فينشأ توتر مستمر. إضافة إلى ذلك، يؤدي المقارنة الدائمة عبر وسائل التواصل إلى انخفاض تقدير الذات ويجعل الفرد في حالة من التوتر والإرهاق.

كيف نكسر الحلقة

ينصح الخبراء باتباع قاعدة 20-20-20 لتخفيف إرهاق العين: بعد كل 20 دقيقة من استخدام الشاشة، انظر إلى شيء يبعد 20 قدماً لمدة 20 ثانية. كما يجب تحديد أوقات لاستخدام الهاتف وإيقاف الإشعارات غير الضرورية لاستعادة السيطرة على العادات الرقمية. وفي حالات الإدمان الشديد، قد يتطلب الأمر تدخل العلاج السلوكي المعرفي لتعديل أنماط التفكير المرتبطة بالاستخدام المفرط، أو العلاج القائم على اليقظة الذهنية للمساعدة على تهدئة الذهن. وتساعد هذه الاستراتيجيات في استعادة التوازن بين العالم الرقمي والواقع اليومي.

دور الأسرة والدعم في العلاج

يشير الأطباء إلى أن العلاج لا يقتصر على الفرد فقط، بل يمتد إلى محيطه الاجتماعي. يساهم العلاج الأسري في تحسين التواصل ووضع حدود واضحة لاستخدام الأجهزة داخل المنزل. يمكن لجلسات الدعم الجماعي أن تمنح المرضى شعوراً بالتفهم والمساندة من أشخاص يواجهون المشكلة نفسها، مما يعزز فرص التعافي.

شاركها.
اترك تعليقاً