تعلن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن التحليل الجديد يعيد إحياء النقاش العالمي حول مستقبل الطاقة النووية من خلال عنصر الثوريوم. ويشير التحليل إلى أن الثوريوم معدن مشع اكتُشف منذ القرن التاسع عشر ولكنه ظل بعيدًا عن الاهتمام مقارنةً باليورانيوم الذي هيمن على صناعة المفاعلات لعقود. كما يوضح أن الثوريوم ليس وقودًا نوويًّا بذاته، وإنما يمكنه إنتاج الوقود النووي عبر مسارات تكنولوجية مختلفة. وتختتم الفكرة بأن إعادة دراسة هذا العنصر وابتكار تقنيات لاستثماره تشكل خطوة مهمة لإعادة تشكيل خريطة الطاقة في القرن الحادي والعشرين.

الثوريوم عنصر كيميائي طبيعي ثقيل رمزه Th وعدده الذري 90، وهو معدن فضي يتميز بانخفاض مستوى إشعاعه، ويتواجد في الصخور المتحللة والرمال المعدنية الثقيلة. ويعد الثوريوم أكثر وفرة من اليورانيوم بنحو 3 إلى 4 أضعاف في الطبيعة، وهو ما يمنح الدول إمكانية استدامة طويلة الأجل للطاقة النووية. وعلى الرغم من أن الثوريوم ليس وقودًا نوويًّا بشكل مباشر، يمكن استخدامه لإنتاج وقود للمفاعلات. كما يبرز التحليل أن استخدام الثوريوم يتيح مزيجًا من الوفرة والكفاءة مع تقليل النفايات النووية الطويلة العمر.

مزايا الثوريوم وتطبيقاته

يُعد الثوريوم وقودًا مناسبًا بشكل خاص للمفاعلات ذات الأملاح المنصهرة (Molten Salt Reactors)، حيث تستخدم مزيجًا من وقود الثوريوم السائل وأملاح الفلوريد، مما يعزز نقل الحرارة ويقوي عناصر السلامة. وتوصف المفاعلات التي تعمل بالثوريوم بأنها أكثر توافقًا مع البيئة مقارنة بمفاعلات اليورانيوم، إذ لا تطلق الغازات الدفيئة أثناء التشغيل وتنتج نفايات نووية طويلة العمر أقل. كما يُستخدم الثوريوم في صناعات متعددة بما في ذلك السيراميك وقضبان اللحام والعدسات والمواد الحرارية، وهو ما يجعله مادة خام حيوية في تقنيات الفضاء وتكنولوجيا الطاقة النووية المعاصرة. وتؤكد الدراسة على ضرورة تعزيز التنمية الرشيدة والحماية الاستراتيجية لموارد الثوريوم وتوفير احتياطيات استراتيجية مناسبة.

تشير التقديرات إلى وجود احتياطيات عالمية من الثوريوم بنحو 6.4 ملايين طن، وتوجد الموارد في مناطق متعددة حول العالم، أبرزها أستراليا والهند والولايات المتحدة والبرازيل. وتأتي الهند في مقدمة الدول من حيث الاحتياطي بنحو 850 ألف طن وبنسبة 13% من الإجمالي، تليها البرازيل باحتياطي 630 ألف طن وبنسبة 10%. ثم أستراليا والولايات المتحدة بنحو 600 ألف طن لكلاهما وبنسبة 9% لكل منهما، ثم مصر وتركيا بنسبة 6% لكل منهما. بعدها فنزويلا وكندا بنسبة 5% و3% على التوالي، وتوزع النسبة المتبقية بين روسيا وجنوب إفريقيا والصين بنحو 2% لكل منها.

إمكانات مصر والفرص والالتزامات

أما بالنسبة لمصر، فاحتياطياتها من الثوريوم تقدر بنحو 380 ألف طن من الإجمالي العالمي البالغ 6.4 ملايين طن.

وتتوزع الموارد في وادي المسكيت بالصحراء الشرقية الوسطى ورواسب مجرى وادي نجروس جنوب الصحراء الشرقية وجبل حمر الرها شمال الصحراء الشرقية، مع وجودها في الصخور البركانية الحمضية والجرانيت والفوالق الجيولوجية. كما توجد كميات داخل رمال الفوسفات في السباعية ووادي النيل وفي منطقة الحمامات وزوغ البحر بالبحر الأحمر ضمن الرمال السوداء، ما يجعل الرمال السوداء مصدرًا مهمًا للثوريوم لدى مصر وتقدر الموجودات بنحو 1.3 مليار متر مكعب من الرمال. هذه الموارد تتيح قاعدة محلية يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وتدعم صناعات وطنية مرتبطة بالطاقة والقدرات التقنية.

وتشير الدراسة إلى أن الثوريوم يتيح فرصًا اقتصادية إذ يسهّل تأمين إمدادات وقود نووي طويلة الأجل وتخفيض فاتورة استيراد الوقود التقليدي، كما يفتح المجال أمام تطوير صناعات محلية متكاملة في قطاع الطاقة النووية.

وتبرز فرص بيئية وتقنية واستراتيجية مرتبطة باستخدام الثوريوم، حيث تقل حدة الأثر البيئي للنفايات النووية وتصبح كفاءة الاستخدام أعلى، وتدفع إلى ابتكار مفاعلات آمنة وفعالة وتفتح باب التعاون الدولي في مجالات البحث والتطوير النووي، بما يساهم في تعزيز الأمن الطاقي الوطني والإقليمي.

التحديات والآفاق المستقبلية

وتواجه الثوريوم عددًا من التحديات الاقتصادية التي تتعلق بالاستثمارات الكبيرة اللازمة لبناء مفاعلات جديدة وتكوين سلسلة إمداد متكاملة للوقود ومعالجته، إضافة إلى وجود شكوك حول الجدوى التجارية في المدى القصير.

كما يفرض التحدي التنظيمي وضع أطر تنظيمية خاصة بمفاعلات الثوريوم، لأن اللوائح النووية الراهنة مصممة لوقود اليورانيوم وسلاسل توريد مختلفة تمامًا، ما يستدعي تطوير أطر قانونية ورقابية مناسبة.

ويؤدي تحلل الثوريوم إلى إنتاج مواد ثانوية مثل الرادون-220، وهذه المواد شديدة الإشعاع وتستلزم معالجة دقيقة وحذرة لمنع مخاطر صحية وبيئية محتملة إذا لم تُتعامل معها بشكل صحيح.

وعلى الرغم من هذه التحديات، يبقى الثوريوم أحد أبرز البدائل المستقبلية في الطاقة النووية نظرًا للوفر العالي في المصادر والكفاءة النسبية، وهو ما يمنح الدول ذات الاحتياطيات الكبيرة فرصة لتعزيز أمن الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية وفتح آفاق تعاون دولي في مجال البحث والتطوير النووي.

شاركها.
اترك تعليقاً