يرفع المتحف المصري الكبير رأس مصر عاليًا أمام العالم. يعلن عن رؤية جديدة لا تقتصر على عرض مومياوات وكنوز بل تشارك المجتمع في بناء مستقبل أكثر شمولًا. يركز الإعلان على تحويل المكان إلى فضاء للعلاج والتأهيل والدمج لأطفالنا من ذوي القدرات الخاصة، وخاصة طيف التوحد وتأخر النطق والكلام. يعكس ذلك الالتزام بأن التراث ليس مجرد واجهة سياحية بل رسالة إنسانية تشاركية.

قصة أم وابنها وإشعار الأمل

قادت الأم ابنها إلى المتحف المصري الكبير بصحبة طفل يعاني اضطرابًا نمائيًا، بعد أن نصحها الطبيب بتجربة بيئة بصرية غنية. سمعت العبارات القاسية تلمُّ بها حينها لكنها اختارت التجربة على الرغم من عدم اليقين. أمام تمثال الملك رمسيس الثاني الضخم، وعند الضوء الذي صممه المكان، رفع الطفل عينيه وهمس ثم كرر كلمة: “ملك” بتأكيد ودهشة. ارتجفت الأم بالبكاء من فرحة لم تعرفها من قبل وكانت دموعها فرحًا خالصًا وليس عجزًا.

رسالة المتحف في الدمج والتطوير

هذه اللحظة تعلن معنى أوسع من مجرد زيارة سياحية، فالمتحف ليس صرح عرض فحسب بل منصة تكسر العزل عن أبناء المجتمع المختلفين. يتيح المجال أن يتحول المتحف إلى فضاء للعلاج والتأهيل والدمج لأطفالنا من ذوي القدرات الخاصة، خاصة أطفال التوحد وأولئك الذين يعانون تأخر النطق والكلام. هؤلاء لا يحتاجون إلى مزيد من الشفقة بل إلى أن تقول الدولة والمجتمع معًا: “نراك.. مكانك معنا.. ادخل”.

تصميم الدمج واحتياجات الوصول

يؤكد القائمون أن المتحف يجب أن يتاح للجميع، ويشير إلى ضرورة تهيئة المكان لذوي الإعاقة بإرشاد صوتي ومنحدرات مهيأة وخدمات ميسرة وممرات واسعة تسهل الحركة. كما يجب توفير مجسمات ونماذج لمسية مع كتابة برايل تسمح للطفل ضعيف البصر أن يعانق التاريخ. وتكون هذه العناصر جزءًا من تجربة آمنة تقلل من الإحراج وتوفر مساحة تعلم حقيقية دون وصمة. تسعى الخطة إلى أن تكون مساحات الوصول جزءًا لا يتجزأ من التجربة العامة وليس خروجًا عن السياق.

متحف الطفل كمساحة تعليم حي

يقدم المتحف للأطفال فضاء تعليم حي مصممًا على مستوى عين الطفل، لا كهوية تعليمية فوقية. الهدف ليس إلقاء درس ثقيل بل إشعال الفضول من خلال تفاعل مع النماذج والبناء والمحاكاة الرقمية والواقعية ضمن زمن مناسب لقدراتهم. هنا يشارك الطفل في بناء تجربته ويبدأ التعبير نفسه في الظهور.

مهارات الحياة اليومية وبناء الاندماج

كما يوفر المتحف تدريبات على مهارات الحياة اليومية مثل الوقوف في صف التذاكر والانتقال بين القاعات وطلب الاستراحة بهدوء وتقبل وجود غرباء وقبول الملاحظات البسيطة والإجابة عليها ثم العودة إلى الهدوء. هذه المهارات الأساسية للاندماج في المدرسة والنادي والمجتمع وليست تفاصيل عابرة، وتتم داخل بيئة تعلم محترمة وخالية من العقاب والإحراج.

خلاصة الرسالة

إن المتحف المصري الكبير بهذا النهج يمثل معيارًا أخلاقيًا جديدًا يعلن أن التراث ليس حكرًا على فئة بعينها، بل فضاء للتعليم والتأهيل والكرامة للجميع. لن يعرض فقط مجد الحضارة القديمة، بل سيعكس شكل المجتمع الذي نريده لأبنائنا، مجتمع يعترف بأن الطفل الذي لا يتكلم بطلاقة أو يحتاج كرسيًا متحرك ليس زائرًا ثقيلًا بل من ورثة الحضارة الشرعيين. وهذا يؤكد أن المتحف يمكن أن يكون نقطة تحول في الدمج والتأهيل للأطفال ذوي القدرات الخاصة، خاصة طيف التوحد وتأخر النطق والكلام، ومَن لديهم متلازمة داون وغيرهم.

شاركها.
اترك تعليقاً