تفتح لحظات بداية العام الدراسي أبوابها على تنوع المشاعر في البيوت، فترى منازل تتلألأ بالضحكات وأطفالًا يقفون فرحًا بحقائبهم الجديدة نحو بوابات المدارس. وفي المقابل يخيم صمتٌ ثقيل على منازل أخرى، وتخفي الأم دموعها خلف نوافذ مغلقة، ويسهر الأب طول الليل يترقب. هؤلاء الأطفال من أصحاب طيف التوحد لا يحتاجون إلى شفقة تقصيهم، بل إلى مجتمع يفتح باب المشاركة والاحتواء ويكشف عن طاقاتهم.

الدمج حق أساسي

تشير الإحصاءات العالمية إلى مسؤولية كبيرة أمام المجتمع، فحددت منظمة الصحة العالمية أن واحدًا من كل 127 شخصًا حول العالم مصاب باضطراب طيف التوحد. كما تكشف بيانات شبكة مراقبة التوحد والتنمية الأمريكية أن واحدًا من كل 31 طفلًا في سن الثامنة مصنف ضمن فئة طيف التوحد بنسبة تفوق 3%. هذه الأرقام ليست مجرد نسب بل قصص إنسانية تطالب المدرسة بأن تحتضن الاختلاف وتقبله بدل عزله.

الدمج في الصفوف ليس رفاهية ولا مشروعًا تجريبيًا، بل حق أصيل واستثمار في إنسانية المجتمع. تُظهر الأبحاث الحديثة أن الدمج يضاعف فرص الطفل في اكتساب المهارات الاجتماعية واللغوية والتكيف النفسي، ويمنحه بيئة طبيعية تحاكي المجتمع الذي سيعيش فيه. وهو يفتح آفاق المشاركة ويُظهر المجتمع كقيمة تُقبل التنوع كجزء من البناء المشترك.

دور المعلم وتهيئة الصف

وتؤكد الدراسات العالمية أن المعلمين الذين تلقوا تدريبًا متخصصًا وتوفر لهم الدعم في التعامل مع أطفال الطيف كانوا أكثر تقبلاً ودعمًا لهم بستة أضعاف من غيرهم. وهذا يجعل وعي المعلم وتكوينه المهني خط الدفاع الأول نحو دمج حقيقي وفعال. كما يسهم الإعداد المهني الجيد في توفير بيئة تعلم لا تخشى الاختلاف بل تستثمره.

ولتنجاح هذه التجربة يجب أن تتحول الفصول إلى بيئة حاضنة لأطفال الطيف، تضمن ترتيبًا بصريًا منظمًا يقلل القلق وتخفيف الضوضاء والمثيرات الحسية. كما يتطلب توفير ركن آمن يلجأ إليه الطفل عند الحاجة وتفعيل دور المساعد التربوي الذي يرافقه وييسر اندماجه لحظة بلحظة. هذه العناصر تهيئ بيئة تعلم تسمح بالتفاعل والمشاركة وتقلل الحواجز أمام تعلمه وتواصله مع زملائه.

بيئة داعمة وآليات دعم

إن برامج التدخل المبكر، والعلاج السلوكي، وجلسات تنمية المهارات الاجتماعية هي الجسر الذي ينقل الطفل من العزلة إلى فضاء المشاركة والتفاعل. ويجب أن يكون العام الدراسي الجديد فرصة لفتح قلوبنا قبل صفوفنا، ولنزرع ثقافة قبول الاختلاف قبل توزيع المناهج. والدمج الفعّال يقتضي متابعة وتقييم مستمرين لضمان تقدم الطفل وتواصله مع زملائه.

برامج دعم وتدخل مبكر

تؤكد د. سمر أبو الخير، خبيرة التخاطب والتربية الخاصة ورئيسة مؤسسة سفير للتخاطب والتأهيل، أن قلوب الأمهات والآباء تقف اليوم بين القلق والأمل. وتشدّد على أن المعلم والتعاون مع الأسرة وبيئة المدرسة هي مفتاح الدمج الحقيقي. وتدعو إلى مدارس آمنة تقبل الاختلاف وتستثمر طاقاته كقيمة مضافة لبناء مجتمع عادل.

شاركها.
اترك تعليقاً